اعطى المجتمع الدولى اهتماما كبيرا في السنوات الأخيرة لحماية البيئة من التلوث ، ومن هنا ظهر واجب الحماية على الافراد والدول منفرده ومجتمعه ، لان مكافحة التلوث لا تتحقق الا بتعاون الدول والافراد في مواجهة عدو لا يعترف
بالحدود الدولية ويتنقل من اقليم لاخر بحريه كامله ، ولهذا ففي مجال مكافحة التلوث يجب ان يعرف الافراد والدول دورهم ليس فقط في المكافحة بل ايضا بما يسببونه من تلوث للبيئة بتصرفاتهم ، ومن اهم طرق الافراد لمكافحة التلوث هو التقليل من احداثه في ممارستهم اليومية .
فبالرغم من كثرة القوانين التي تضعها الدول لمكافحة التلوث الا انها لن تصل الى هدفها الا بالتعاون بين الافراد والدول لاحداث تغيير فى السلوك يؤدى الى التقليل ومنع تلوث البيئة ، فمع تقدم وتزايد الصناعة يوجد تزايد في النفايات والمخلفات الصناعية الى درجة تمثل تهديد للصحة العامة في بعض الدول الصناعية والدول المجاورة لها والتي ينتقل اليها التلوث عن طريق العوامل الجوية .
ونتيجة لاهمية مشكلة التلوث فقد تم عقد عدة مؤتمرات دولية لمواجهة هذا الخطر وللتنسيق بين الدول فى مكافحته ومن اهم هذه المؤتمرات : ـ
مؤتمر الامم المتحدة عن البيئة الانسانية والذي عقد باستكهولم في السويد في الفترة من ٥ – ٦ يونيو ١٩٧٢ ، وقد أكدت الدول فى هذا المؤتمر على اهمية التعاون فيما بينها لمكافحة خطر التلوث .
ومثل هذا التعاون يشمل مجالات متعددة لتجنب التلوث من المناطق خارج حدود الولاية الاقليمية لكل دولة وكذلك الخوف من النتائج والتأثير غير المحدود جغرافيا للانشطة الخطرة على الانسانية ، وكذلك الحاجة إلى مساهمة دولية في المحافظه على الطرق المائية ، ولا شك أن مثل هذا التعاون الدولي يمكن أن يأتي ثماره الطيبه من خلال المنظمات الدولية وعلاوة على هذه المحاولات نجد ان هناك كثير من المشاكل الدولية مثل مشكلة التصحر وتلوث المدن واهدار المحافظة على اثار الحضارة الانسانية وغيرها ، وقد طالبت الدول ادماجها ضمن برامج المحافظة على “البيئة الانسانية ” .
وأذا تابعنا المؤتمرات الدولية وبرامج التعاون والمؤسسات الدولية التي تسعى الى مواجهة التلوث ، نجد أنها تدعو إلى زيادة الاهتمام بقواعد القانون الدولى العام وخاصة فيما يتعلق بحماية المصالح الانسانية والمحافظة على نظافة البيئة .
ولا شك ان فرع القانون الدولى العام المهتم بتنظيم علاقات الدول فيما يتعلق بحماية البيئة قد تعرض إلى تدفق شديد في الدراسات المتعددة من مجموعات الدارسين وكذلك الافراد المهتمين بشئون البيئة .
وقد اوضحت هذه الدراسات كثير من وجهات النظر فيما يتعلق بدراسة مشاكل البيئة الدولية ، ومع هذا فان هذه الدراسات والابحاث بالرغم من كثرة عددها الا انه لا يوجد أي تنسيق فيما بينها لان الذي قام بها في الغالب افراد لهم اهتمامات مختلفة ولهذا لم تصل هذه الدراسات الى تحديد ثابت لبعض الكلمات والمصطلحات العلمية المستخدمة مثل ” التلوث ” . ومن ثم فلابد من القيام بمحاولة علمية للوصول إلى التنسيق بين هذه الدراسات ومحاولة الوصول إلى تعريف للكلمات والمصطلحات العلمية المختلف عليها وذلك عن طريق دراستها وتحديد ابعادها في مجال البحث العلمي بصفة عامة وفي مجال القانون الدولي للبيئة بصفة خاصة .
وحيث ان التقدم الصناعى فى الاونة الاخيرة قد أثر على المجتمعات الانسانية وجعل من الممكن تحويل الطاقة والثروات المختلفة الى مواد يستهلكها الانسان ولهذا فقد ظهرت اهتمامات جديدة في طبيعة العلاقة بين الانسان والبيئة المحيطة به وقد بدأت هذه العلاقة بتأثير من العوامل الاقتصادية والاجتماعية دفعت الانسان للمحافظة على الكائنات الحية من حيوانات ونباتات وغيرها لانها تمثل له مورد اقتصادي كبير سواء في الاتجار فيها او في استخدامها كوسيلة للتنقل او كأدوات مساعده له فى العمل في الزراعة وغير ذلك من اهتمامات الانسان في ذلك الوقت .
وحديثا فان اهتمام الانسان بالبيئة قد تغير نتيجة لتغير الظروف المؤثرة فيها بسبب التقدم العلمي والصناعي وما نتج عنه من مخلفات اثرت على البيئة والتي لم تعد تقتصر على افساد حياة الانسان الاقتصادية والاجتماعية بل اصبحت تهدد استمرار وجوده ومعيشته على وجه الارض .
فتناقص بعض الثروات الطبيعية كالغذاء والمياه النقيه والطاقة علاوة على سرعة تزايد عدد سكان الكرة الارضية قد جعل من الصعب الحصول على متطلبات الحياة اليومية .
فالشواهد المتعددة التي تشير الى زيادة التلوث قد دعت الى طرح تساؤل عن مدى امكانية نجاح الوسائل العلمية المعروفة التي تقوم بتحويل المواد الخام الى منتجات يستهلكها الانسان في ملاحقة كميات الاستهلاك ، حيث أن المواد الخام اصبحت فى تناقص مستمر وشديد لزيادة التلوث – ولهذا ظهرت نظریات جديدة تدعو الى اعادة تقييم طرق الاستهلاك الحاليه وتقترح طرقا جديدة للاستهلاك .
ولما كانت مشكلة التلوث وحماية البيئة حول الكره الارضية مسألة علميه بحته تخص المشتغلين والمتخصصين في هذا المجال من العلميين والباحثين والدارسين فمع عام 1968 ، بدأت هذه المشكلة تتحول من المستوى العلمي الى المستوى السياسي وبدأت الدول تكتشف مدى وحدة الكرة الارضية في اهتمامها بالمحافظة على نظافة البيئة لان التلوث يؤثر على الجميع ولا يقف عند الحدود الاقليمية للدولة.
وكان حجر الزاويه في هذه البدايه السياسية لمواجهة التلوث هو المؤتمر الدولي الذي نظمته منظمة الامم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة ( اليونسكو ) للخبـراء المتخصصين لدراسة الاسس العلمية للاستخدام والمحافظة على الثروات والكائنات الحيه على الكرة الارضية ، وذلك في الفترة من 4 الى 13 سبتمبر 1968 وقد حضر هذا المؤتمر ممثلى 62 دولة علاوة على عدد من ممثلى المنظمات الدولية .
وقد وضح من خلال اعمال المؤتمر وتقريره الختامي الذي اصدره انه لا يوجد اجابه واضحة أو سهله لمشاكل البيئة ولهذا فقد اعتبر احد الاجتماعات الدولية الهامة التي وضحت للدول المختلفة مدى خطورة زيادة التلوث وكذلك مدى أهمية المواجهة الجماعية الدولية لهذه المشكلة .
وقد كان الهدف الاساسي للمؤتمر هو محاولة التنسيق بين الجهود العلمية الدولية والقومية لتجسيد المخاطر التي تهدد البيئة ولايجاد خطة تتفق عليها حكومات الدول لكى تطبقها داخليا لمواجهة هذه المخاطر .
ولهذا فقد اقترح المؤتمر انشاء برنامج منظم بين الحكومات ينسق فيما بينها طرق الاستخدام الصحيح والمحافظة على ثروات المجال الحيوي للكرة الارضية .
وقد انشأ اليونسكو هذا البرنامج باسم ” برنامج الانسان والمجال الحيوي للكرة الارضية The Man and Biosphere” ” Program .
وقد اعترفت صراحة الوفود المشتركة في هذا المؤتمر بأهمية التعاون الدولى على مستوى الحكومات لمواجهة خطر التلوث الا انه لم نجد اى تركيز واضح على مناشدة الدول بأن تقوم بمراجعة القوانين الداخلية واللوائح لكى تحد أو تمنع من التصرفات الفردية والجماعية التي تؤدى الى زيادة تلوث البيئة .
ومع هذا فقد نبه التقرير الختامي للمؤتمر بانه اذا اردت الوصول إلى نتائج ايجابية في حماية البيئة فلابد من بداية جاده وجريئة وواضحة على المستوى الوطنى والدولى .
ومن الطبيعي انه لم يكن متوقعا ان تحدث تغييرات فورية في سياسات الدول بعد انتهاء المؤتمر ولكن من المعروف ان اى نجاح لهذا البرنامج يعتمد بصفة اساسيه على رغبة الحكومات فى توجيه سياساتها بما يتفق مع النتائج المستخلصة من المؤتمر .
وهنا يثور تساؤل من الصعب الوصول الى اجابه موحده وواضحه له وهو ما مدى قوة العلم والنتائج العلمية الحديثة لكى تؤثر على سياسة الدول .
وهل تقدم الدول على تغيير سياستها لتحقيق المصلحة العامة للمجتمع الدولي؟
لا شك ان هذه التساؤلات هامة لاى عمل علمی وای عمل سیاسی ایضا لانه لابد من ان يؤثر كل منها على الاخر لان العوامل العلمية والسياسية والاقتصادية تحدد طبيعة العلاقات بين الدول وكذلك تؤثر في تكوين قواعد القانون الدولي العام. ولا شك ان القواعد القانونية الدولية الخاصة بحماية البيئة هي مثال واضح لمدى تفاعل العوامل العلمية والسياسية والاقتصادية والقانونية في المجتمع الدولي .
وان المحاولات العلمية التي بذلت للوصول إلى تعريف وتحديد لمشاكل التلوث في المجال الدولى ، يظهر لنا بوضوح عدم وجود اى اتفـاق على هذه المشاكل سواء من ناحية تحديدها او طبيعتها .
ولقد بذل عدد كبير من الباحثين محاولات كثيره في هذا المجال ومازالت هناك حاجة كبيرة لمزيد من الدراسة والبحث ليس فقط للعوامل التي تؤدى إلى اعتبار مشكلة البيئة مشكلة دولية ذات طابع خاص وهام بل ايضا مزيد من البحث والدراسة عن المشكلة نفسها .